الوساطة في مجال الأسرة والعمل

الوساطة في مجال الأسرة والعمل
بواسطة : اميمة الهجهوج | آخر تحديث : 2023/05/26

محتويات

  • الوساطة
  • مميزات الوساطة
  • الوساطة الأسرية وحل النزاع الأسري
  • منهجية الوساطة الأسرية 
  • الوساطة في المجال المهني وحل النزاعات المهنية 
  • منهجية الوساطة في المجال المهني

الوساطة

تَتحدّد أهمية الوساطة في كونها مؤهلة لتسوية النزاعات وتدبير الصراعات في العديد من المجالات، كونها كممارسة تعمل في مجال التواصل والعلاقات بشتى أنواعها؛ وذلك عن طريق التدخل بين الأفراد أو الجماعات في حالة نزاع، بواسطة وسيط يكون بمثابة طرف ثالث غير متحيز، مستقل، ومؤهل. ورغم تنوع الحقول التي تتدخل فيها الوساطة كحل بديل لحل النزاع، فإنّ المبادىء الأخلاقية والفلسفية تبقى نفسها وتصب في اتجاه واحد، هو التوفيق بين الأطراف المتنازعة وتقريب وجهات نظرهم بأسرع وقت، بشكل مرن وسري، بأقل كلفة مادية ومعنوية، وكذا بكيفية تحافظ على العلاقة القائمة بين الأطراف المعنية كونهم معنيين وفاعلين في عملية الوساطة. 

مميزات الوساطة

تتميز الوساطة بالمرونة حيث تتكيف حسب السياق الذي يوجد فيه النزاع، وذلك راجع لكونها لا تهتم  فقط بحل المشكل الذي يقوم عليه الخلاف، وإنما تهتم أيضاً بالعلاقة بين الأطراف كما سبق الذكر، بحيث تنطوي الوساطة بالضرورة على مراعاة الاحتياجات الخاصة للأطراف المعنية، وهنا حضور وأهمية  المقاربة النفسية على الخصوص والمقاربة النفسية الاجتماعية على العموم؛ حيث إنّ الوساطة تهتم  بالأفراد المتنازعة وخصوصياتهم وكذا احتياجاتهم في مختلف أنواع العلاقات والسياقات، فالمشكل ليس هو المشكل في حد ذاته وإنما هناك حضور للجانب النفسي في ظهور المشكل كالأفكار، والانفعالات، والسلوكات، والتمثلات) وإمكانية ظهور صراع آخر في الحاضر أو المستقبل، هذا من جهة، ومن جهة  أخرى هناك مسألة التفاعل الاجتماعي بين الأفراد ونوع العلاقة التفاعلية كالتواصل، التنشئة  الاجتماعية، الاتجاهات، الميول والقيم؛ فكل هذا تأخذه الوساطة بعين الاعتبار دون إهمال الموقف الاجتماعي بكل تعقيداته في حل النزاع.  

الوساطة الأسرية وحل النزاع الأسري

أثبتت الوساطة نجاعتها في حل الصراع في مختلف المجالات، ومن أهمها نجد مجال الأسرة، حيث

تعمل الوساطة الأسرية على حل النزاع من خلال بناء أو إعادة بناء الروابط الأسرية التي تتمحور حول استقلالية ومسؤولية الأشخاص المتضررين من حالات الانفصال أو التمزق، وإحياء التواصل بين  الأطراف المعنية والحوار ودعمهم لاتخاذ القرارات المطلوبة لحل النزاع. وذلك عن طريق طرف ثالث مُتمكّن ومستقل يضمن احترام الإطار وعملية الوساطة ويسمى "الوسيط" ، حيث يستخدم التواصل والاستماع الفعال وإعادة الصياغة وتعزيز المساءلة بدون تحيز لأحد الأطراف من خلال تنظيم مقابلات، مع احترام حق تقرير المصير للأشخاص المعنيين، فهو لا يتوفر على سلطة اتخاذ القرارات.  

منهجية الوساطة الأسرية 

تعمل الوساطة في المجال الأسري من خلال منهجية محددة بخطوات تقنن عمل الوسيط والتي تتمثل في الآتي:  

  • المرحلة الأولى: تحديد المشكل، حيث يعمل الوسيط على تحديد المشكل من مختلف زوايا رؤية الأطراف المعنية. 
  • المرحلة الثانية: تحديد الاحتياجات وفكّ ترميزها، إذ يعمل الوسيط في هذه المرحلة رفقة الأطراف المعنية في جو من الحوار والاستماع الفعّال على دفعهم للحديث عن احتياجاتهم ومشاعرهم حول تفاصيل النزاع، ويعمل على رأب الفجوة بين الأطراف والكيفية التي يدركون بها هذه الاحتياجات لدى الطرف الآخر. 
  • المرحلة الثالثة: البحث عن حلول ووضع قائمة اختيارات، بعد التعرف على المشكل وتعبير الأطراف عن احتياجاتهم، ينطلق الوسيط في المرحلة الثالثة من الوساطة، حيث يحث الطرفين على التعبير عن الحلول التي قد تحلّ المشكل في وجهة نظرهم، ويتم وضع  قائمة بالاختيارات التي تراعي المصلحة الفضلى للطرفين وتحد من النزاع بشكل أسرع وأفضل والتي تضمن استمرار العلاقة وتحسنها. 
  • المرحلة الرابعة: مناقشة القرارات المتفق عليها، هنا الوسيط يعمل مع الأطراف المتنازعة على التأكد من اقتناعهم بالخيارات الموضوعة، ويتم مناقشة القرارات والاتفاقيات التي وافق عليها أطراف النزاع.  
  • المرحلة الخامسة: ملخص الاتفاقيات، حيث يعمل الوسيط على كتابة وثيقة تتضمن القرارات التي اتخذتها الأطراف المتنازعة من أجل حل النزاع وضمان استمرارية علاقتهم، ويتم قراءة هذه الوثيقة ثم المصادقة عليها. 

الوساطة في المجال المهني وحل النزاعات المهنية 

تعمل الوساطة في المجال المهني على حل النزاعات في مكان العمل بين الأفراد، ومكان العمل، التدخل مع نقابات العمل، في هذا السياق تعمل الوساطة بشكل موثوق وطوعي وغير رسمي ، بحيث يعمل الوسيط المحايد على حل النزاع عن طريق تسهيل التواصل بين الأشخاص المعنيين لمساعدتهم في تطوير اتفاقيات مقبولة للطرفين بهدف تحسين علاقة العمل في المستقبل. وتكون الوساطة في مكان العمل أكثر فاعلية عند التدخل بعد وقت قصير من نشوب النزاع، حيث تكون فرص الحل الأمثل أفضل بكثير ويتم التوصل لقرارات سريعة ومبتكرة ومرضية للطرفين. 

تتمظهر نجاعة الوساطة لحل النزاع في مكان العمل في كونها لا تكتفي بحل المشكل وإنما تتعداه  لتعزّز الاحترام المتبادل من خلال تحسين التواصل ومراعاة احتياجات ومصالح كل طرف، كما أنها تُصلح علاقات العمل المتوترة وتجعل الأطراف المتنازعة أكثر قدرة على العمل معاً. 

منهجية الوساطة في المجال المهني

شأنها شأن الوساطة الأسرية، تتم عملية الوساطة في مكان العمل عبر مراحل تتبع نفس المبادئ لكن مع تغييرات تحترم السياق المهني وهي كالآتي :  

  • أول خطوة للوساطة لتدبير النزاعات المهنية هي اللجوء لوسيط موثوق وموافق عليه مسبقاً من طرف  الأطراف ومكان العمل، ويتم إطلاعه على تاريخ النزاع والمعلومات المتوفرة حوله، كما يتم نقاش سرية وموثوقية العمل والتقارير المتوقعة تقديمها. 
  • بعد ذلك يعقد الوسيط اجتماعات مع كل طرف من أجل فهم محتوى النزاع من وجهة نظر كل طرف ودفع  كل منهما للحديث عن احتياجاته كهدف أولي لهذه اللقاءات،
  • بعد ذلك يعمل الوسيط على تدريب الأطراف على التعامل مع النزاع وحله بشكل مستقل، عن طريق تعديل أساليب التواصل الموظفة من طرفهم، وكذا تعديل طرق تحليلهم للتفاصيل التي قد تؤدي لنشوب الصراع مستقبلاً، وتدريبهم على الاستماع الفعال الذي يقوم على فهم الآخر والتعاطف معه عوض تبني موقف دفاعي وهجومي.
  • يجمع الوسيط الأطراف معاً وجهاً لوجه في جلسة وساطة، من أجل تشجيع على التواصل البناء وتوضيح القضايا الرئيسية للنزاع، وللتوصل إلى اتفاقيات مقبولة للطرفين فيما يتعلق بالعمل معاً قدماً. 
  • كخطوة أخيرة يعمل الوسيط على تحرير وثيقة تتضمن هذه الاتفاقيات المتوصل إليها من قبل الأطراف المتنازعة، ويحتفظ بها لاجتماع لاحق يتم عقده بعد شهر إلى 3 أشهر بين الوسيط والأطراف المعنية من أجل تقديم الدعم، ومساءلة مدى التزامهم بالاتفاقيات.  

في الأخير يُمكن القول على أنه باختلاف السياقات تراعي الوساطة الجانب النفسي للمتنازعين ودور هذا الجانب النفسي في ظهور  النزاع، وحله، وكذا منع ظهوره مجدداً أو على الأقل إمكانية تعامل أفضل مع هذا النزاع مستقبلاً، منه تكون الوساطة فعالة في حل الصراع إلاّ أنّ تعاملها معه أبعد من أن يكون سطحياً أو محدوداً في النزاع في حد ذاته.